بين الواقع والآمال... عقبات أمام السلطة الجديدة في سوريا!

Post

بين الواقع والآمال... عقبات أمام السلطة الجديدة في سوريا!

المصدر: الجزيرة    

طوت عملية "ردع العدوان" التي أطلقتها فصائل المعارضة السورية، ممثلة بإدارة العمليات العسكرية، صفحة حكم عائلة الأسد، وفتحت أبوابًا مشرعة على مستقبل يحمل آمالًا عريضة للسوريين، وفي الوقت نفسه تضع السلطات الجديدة للبلاد أمام تحديات جديدة.

ورغم التصريحات التي صدرت عن دبلوماسيين وسياسيين بشأن فرصة تاريخية لإعادة بناء البلاد وتحقيق الاستقرار والتأسيس لمرحلة جديدة تدخلها سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، فإن الواقع يشير إلى تحديات ضخمة تواجهها البلاد في ظل واقع معقد محليًا وإقليميًا ودوليًا.

يختلف وضع سوريا الآن عن باقي الدول التي تتضح فيها أسس الدولة من دستور وشكل محدد للسيادة والنظام السياسي والحدود الجغرافية، حيث أصبحت بحكم الثورة بلا دستور معتمد أو نظام سياسي وحدود واضحة، ما يشكل تحديًا كبيرًا للسلطات الجديدة.

من ناحية أخرى، فإن المعارضة السورية الحالية تتسم بتعدد الأطياف بين الفصائل المسلحة ذات المرجعيات الإسلامية والأيديولوجية إلى جانب القوى السياسية الليبرالية. هذا التنوع يمثل تحديًا للوصول إلى توافق حول شكل الدولة المقبلة.

يرى محللون أن نجاح مسار الدولة المأمول يعتمد بشكل كبير على قدرة الأطراف المختلفة على تجاوز خلافاتها وإيجاد حلول للقضايا الشائكة، وكذلك طريقة التعامل مع العقبات والملفات والسياسات الخارجية.

إلى جانب تأسيس مجلس انتقالي، يأتي تحقيق العدالة الانتقالية التي تعهد القائد العام للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، بأنها ستأخذ مجراها.

وتوعد بعدم التواني في محاسبة المجرمين والقتلة وضباط الأمن والجيش المتورطين في تعذيب الشعب السوري، مؤكدًا أنه ستتم ملاحقتهم وطلبهم من الدول التي فروا إليها لتتم محاسبتهم.

وقال الشرع إن "دماء وحقوق" القتلى والمعتقلين الأبرياء "لن تُهدر أو تُنسى"، لكنه أكد التزامه "بالتسامح مع من لم تتلطخ أيديهم بدماء الشعب السوري"، مشددًا على أن الانتقام العشوائي قد يخلف مشاكل إضافية، وأن التطمينات من شأنها أن تلعب دورًا مهمًا في تلك المرحلة.

من جهتها، أكدت إدارة الشؤون السياسية التابعة للمعارضة السورية أن المرحلة القادمة تتطلب مصالحة مجتمعية شاملة، تُبنى خلالها الثقة بين مختلف مكونات المجتمع السوري، على أن تكون مبنية على مبادئ العدالة واحترام حقوق الإنسان. وأضافت أن سوريا الجديدة ستكون دولة قانون ومؤسسات تضمن الكرامة والعدالة لجميع مواطنيها، مشيرة إلى أن هذه الرؤية تمثل حجر الأساس لإعادة بناء البلاد وتحقيق الاستقرار على المدى الطويل.

تدرك السلطات الجديدة أبعاد وجود الدولة العميقة وبقايا الأجهزة الأمنية والمخابرات التي كانت تحكم سوريا، مما يأتي على رأس المخاطر في المرحلة القادمة. وما يزيد من خطورة هذا الملف أن ما يمكن وصفه بالدولة العميقة في سوريا يختلف عن غيرها من الدول نظرًا لهروب أو اختفاء جزء كبير من قادة ومسؤولي النظام السابق، وحالة السيولة التي كانت تدار بها البلاد في ظل غياب مؤسسات الدولة.

أما ملف اللاجئين، فيعرض تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية مترابطة. ففي ظل العودة المتوقعة لأكثر من 6 ملايين لاجئ سوري، يتحول الملف إلى قضية مركزية تتجاوز تحديات الإغاثة الإنسانية إلى قضايا إعادة الإعمار والسياسات الخارجية، خصوصًا مع التحركات الأوروبية المتعلقة بقوانين اللجوء.

بحسب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فإن 70% من سكان سوريا، المقدر عددهم بنحو 15 مليونًا، يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية، حيث يعيش 9 من كل 10 سوريين تحت خط الفقر. وقد ترك نظام الأسد خلفه تحديات اقتصادية كبيرة، مع انهيار شبه كامل للبنية الاقتصادية نتيجة السياسات التي نفذها هذا النظام على مدى أعوام طويلة، لا سيما منذ بدء الحرب عام 2011.

وفق بيانات البنك الدولي والأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي، انكمش الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بأكثر من 85% منذ عام 2011 إلى 2023، لينخفض إلى 9 مليارات دولار، مع توقع انكماش إضافي للاقتصاد بنسبة 1.5% هذا العام. بالإضافة إلى ذلك، يعاني قطاع الطاقة من الشلل التام.

حذّر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان من استغلال الوضع الحالي من قبل "التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية وحزب العمال الكردستاني"، ما يسلط الضوء على تحدٍ أمني كبير للسلطات الجديدة. كما برزت تجارة "تهريب المخدرات" -الذي تورطت فيه عائلة الأسد، خاصة في تجارة الكبتاغون- كملف خطير يعاني منه المجتمع السوري.

إلى جانب ذلك، ومع سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على أكثر من 30% من الأراضي شرق البلاد، يطرح المشهد تساؤلات حول مستقبل تلك المناطق ودور القوات الأميركية الداعمة لهذه القوات.

لا تزال سوريا تحتضن قواعد عسكرية تابعة لقوى أجنبية، أبرزها الولايات المتحدة، وروسيا، وتركيا، وإيران، بالإضافة إلى وكلاء محليين. ومع سقوط نظام الأسد، تواجه الحكومة السورية الجديدة تحديات معقدة تتعلق بالتعامل مع هذه التدخلات وضمان استقرار البلاد.

أعرب الشرع عن رغبته في خروج القوات الأجنبية من سوريا، مؤكدًا أن "حل المشكلة يبدأ بإسقاط النظام، وعندها لن تكون هناك حاجة لبقاء أي قوات أجنبية في سوريا".

توالت ردود الفعل الخارجية على سقوط نظام الأسد، وبرزت تصريحات تشير إلى إمكانية رفع اسم هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب، ما يفتح المجال أمام السلطات الجديدة للحصول على اعتراف دولي واسع. كما تحدّث محللون عن حاجة الولايات المتحدة والدول العربية لرؤية مشتركة لدعم السلطات الجديدة في سوريا.

تبدو التحديات أمام السلطات السورية الجديدة جسيمة، لكن المؤشرات الحالية تعكس فرصة تاريخية لبناء دولة جديدة قائمة على الديمقراطية والعدالة واحترام حقوق الإنسان. ومع ذلك، فإن الطريق نحو الاستقرار طويل ومعقد، ويعتمد بشكل كبير على قدرة القيادة الجديدة على تجاوز الأزمات المحلية والدولية، والتعامل بحكمة مع ملفات الداخل والخارج.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى: [email protected]

موقع هنا الموقع الرائد بموضعيته ومصداقيته يدعوك للانضمام إليه عن طريق الواتس أب عبر الرابط المرفق : انضموا الينا

0 تعليقات

انضم إلى المحادثة