ثلاثة سيناريوهات لقراءة مستقبل سوريا
ثلاثة سيناريوهات لقراءة مستقبل سوريا
خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضية، أسقط ثوار سوريا نظاماً فاشياً استمر لأكثر من 50 سنة، والبارحة، حرر الثوار المعتقلين، كما تداعى الشعب لإحراق صور الرئيس المخلوع بشار الأسد، ثم جال الأهالي في قصره الرئاسي الذي تعرض للنهب، أما الأسد وأسرته فقد فروا إلى موسكو، حيث حصلوا على حق اللجوء بحسب ما أعلنه الإعلام الرسمي الروسي، وبعض اللاجئين السوريين صاروا ينتظرون دورهم على المعابر الحدودية حتى يعودوا إلى بلدهم التي فروا منها خلال الحرب السورية التي بقيت مستمرة منذ عام 2011.
حتى ذلك الحين، ظل النظام السوري جزءاً من شبكة غير رسمية من الأنظمة المستبدة، لذا فإن سقوط الأسد يعتبر فرصة للتغيير، ليس فقط في سوريا لوحدها، بل أيضاً في الدول الأخرى الشريكة في هذه الشبكة. ولهذا نقدم فيما يأتي خمسة أسئلة، أجاب عليها صحفيون عما سيحصل في سوريا بعد ذلك، وما الذي سيحل بحلفائها، وكيف سيؤثر ذلك على الولايات المتحدة.
لماذا سقط نظام الأسد الآن، بعد مرور 54 عاماً؟
تراجع ولاء الشعب السوري للأسد بالتدريج، ثم اختفى دفعة واحدة، إذ بدأت الشكوك تدور حول داعمي الأسد من الروس بعد نقل العدة والعتاد من روسيا إلى أوكرانيا في عام 2022، كما أن "الهجمة الإسرائيلية التي استهدفت منذ فترة قريبة قيادات حزب الله شلت حزب الله، وهو حليف آخر للأسد، ومنعته من تقديم العون للأسد" بحسب ما رأته الصحفية الأميركية آن آبلبوم.
تستعين الأنظمة المستبدة بالوحشية لتقضي على أي أمل لدى شعوبها بالمضي نحو مستقبل مختلف، وعن ذلك تقول آن إن شعار "قائدنا للأبد" كان شعار عائلة الأسد، ولكن: "كل تلك الأنظمة "الأبدية" لديها عيب قاتل، كما أن الجنود وضباط الشرطة يعتبرون من العامة أيضاً، ولديهم أقارب وأهل يعانون، وكذلك أقرباء وأصدقاء شهدوا القمع السياسي وآثار الانهيار الاقتصادي، وهؤلاء لديهم شكوكهم هم أيضاً، كما لم يعد أي منهم يحس بالأمان، ولقد رأينا نتيجة ذلك في سوريا".
وأضافت الصحفية: "كانت نقطة التحول خضوع حلب [للمعارضة] من دون مقاومة تذكر، إذ بدت الأمور وكأن النظام قد تبخر بمجرد أن اكتشف الشعب اختفاء من يحارب من أجله، واختفاء من يدعمه ويؤيده، فقال لنفسه: لم ينبغي علينا أن نحارب من أجله إذن؟".
ما الذي ينتظر السوريين بعد الآن؟
ما يزال التفاؤل حاضراً بحسب رأي الصحفي الأميركي غرايم وود الذي يقول: "إن السلوك الذي أبداه الثوار الذين سيطروا على سوريا مؤخراً يبدو حضارياً بصورة مطمئنة"، واعترف بأن: "هيئة تحرير الشام، أي الجماعة التي تتحمل المسؤولية المباشرة الكبرى عن إسقاط الأسد، أعلنت بأن الانتصار ليس رخصة لتدمير مؤسسات الدولة... وفي حال حافظ الثوار على هذه البداية الرحيمة، والتزموا بالقانون والتسامح في المعاملة وحفظ حقوق النساء المساوية لحقوق الرجال، وحقوق العلويين والمسيحيين والكرد والدروز وغيرهم من الجماعات على أساس المساواة، عندئذ سيستحق هؤلاء الاعتذار من كل من أخر انتصارهم، ومن بين هؤلاء السياسيون الغربيون".
بيد أن غرايم يرى بأنه: "ثمة أسباب وجيهة للتشكيك باحتمال أن تصبح سوريا الجديدة شبيهة بدولة فاضلة يعمها السلام والوئام"، وذلك لأن قائد هيئة تحرير الشام هو أبو محمد الجولاني والذي كان قائداً لدى جبهة النصرة سابقاً، أي: "الفرع السوري لتنظيم القاعدة الذي أصبح النسخة الأقل شراً من تنظيم الدولة" برأي غرايم، لكنه يعترف أيضاً بأن صور المدنيين السوريين التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي: "تظهر الأمل والتضامن، إذ حتى الآن عاشت سوريا خمسين عاماً من الفاشية، ويوماً واحداً من نقيض الفاشية، لذا إن تمكنت من إطالة هذه المدة لمزيد من الأيام، أو لشهر ربما، أو لسنة إن تجرأنا على الحلم، فإن ذلك يستحق كل ما قدم من أجله طوال العقد الماضي من المقاومة [لهذا النظام الفاشي]".
خلال الأيام المقبلة، قد يبدأ المراقبون بدراسة للمشهد عن قرب لمعرفة كيف سيكون شكل مستقبل سوريا، فما الذي علينا أن ننتبه منه هنا وأن نركز عليه؟
تقول الصحفية آن: "انظروا إلى الحالة السلمية التي تعم المدن، هل سيكون هنالك ذعر أو سلب أو شغب خارج عن السيطرة؟ أو هل سيبقى الناس في بيوتهم وهم يراقبون ما يحدث؟" كما يجب على المراقبين أن يبحثوا أيضاً "فيما تمارسه المؤسسات والدولة، إذ هنالك شريحة كبيرة من السوريين تمثل أجزاء مختلفة من وظائف الدولة، وعلى الرغم من أن الدولة لا تتمتع بكفاءة عالية ولا تدار بشكل جيد جداً، لكن لديها شبكة كهرباء وقوانين للسير، وهنالك أشخاص يفرضون تلك القوانين وينفذون تلك الأمور. لذا هل سيبقى هؤلاء الأشخاص ويواصلون أعمالهم ووظائفهم التي كانوا يعملون عليها في السابق بطريقة منظمة إلى حد ما أم لا؟ لأن ذلك يعتبر مؤشراً عن حقيقة انتقال السلطة وهل سيتم ذلك بشكل سلمي أم لا".
وثمة شيء ثالث لا بد من مراقبته برأي آن، وهو كيفية تقاطع الجماعات المسلحة المختلفة بعضها مع بعض، وهذا ما دفعها إلى القول: "بعض تلك الجماعات يستخدم لغة بغاية الانفتاح، ويحاول أن يتحدث بلسان شعب بكامله، بيد أن هذه الجماعات تنتمي إلى بيئات وخلفيات وأصول مختلفة، بعضها أتى من العالم الإسلامي، وبعضها من المعارضة السورية، وبعضها من الكرد، لذا إن شكلت تلك الجماعات مجلساً أو حكومة انتقالية، أو أي شيء بوسعه أن يوحد بينها، فذلك مؤشر خير، ولكن في حال عدم قيامها بذلك، فذلك دليل شر".
ماذا يعني سقوط نظام الأسد بالنسبة لإيران وروسيا اللتين دعمتا النظام لفترة طويلة؟
خسرت إيران ذراعاً آخر من أذرعها في المنطقة، ويشرح إيليوت كوهين الفكرة بقوله: "إيران دولة قوية، أي أن لشعبها جذوراً ضاربة في عمق التاريخ والحضارة، إلا أن جيشها ضعيف نسبياً، لكونها استثمرت كثيراً في حربها بالوكالة التي حققت نجاحاً ملحوظاً، وخاصة في حربها ضد الولايات المتحدة بالعراق، ولكن مع الهزيمة التي منيت بها حماس وحزب الله، ومع انهيار نظام الأسد، تكبدت إيران خسائر لا يمكن تعويضها"، أما روسيا فقد تعرضت هي أيضاً: "لحالة إذلال بسبب انهيار عميلها، وصارت في موضع عداء دائم اليوم من الشعب السوري لكونها أسمهت في قمعه".
ما الذي يعنيه سقوط النظام بالنسبة للولايات المتحدة؟
تراجعت رغبة أميركا مرة أخرى في الرحيل عن الشرق الأوسط كما يرى إيليوت، وأصبحت في مواجهة مع مشكلة باتت ملحة بصورة أكبر، إذ في حال اختارت إيران الشروع بالعمل على برنامج الأسلحة النووية لديها، فعندئذ ينبغي على البيت الأبيض تحت رئاسة ترامب أن يقرر الاحتكام إلى الأسلحة الثقيلة من عدم الاحتكام إلى ذلك، وذلك ليحول دون تحقيق هذه الخطوة التي من شأنها أن تؤدي إلى انهيار عملية منع انتشار الأسلحة النووية خارج إيران، كما قد تقف الولايات المتحدة أمام هذا الخيار خلال مرحلة مبكرة جداً.
المصدر: The Atlantic
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى: [email protected]
موقع هنا الموقع الرائد بموضعيته ومصداقيته يدعوك للانضمام إليه عن طريق الواتس أب عبر الرابط المرفق : انضموا الينا
0 تعليقات