سوريا : كان يحلم أن يلبس ثوب الطبيب ليشفي آلام الناس، فإذا به يتحول إلى قصة تجسد الألم الإنساني

Post

سوريا : كان يحلم أن يلبس ثوب الطبيب ليشفي آلام الناس، فإذا به يتحول إلى قصة تجسد الألم الإنساني

من خلف جدران سجن صيدنايا، حيث تختفي الأرواح وتُسحق الأحلام، يظهر اسم عبد الوهاب دعدوش، الشاب الذي كان يحلم أن يلبس ثوب الطبيب ليشفي آلام الناس، فإذا به يتحول إلى قصة تجسد الألم الإنساني في أعمق صوره.

كان عمره عشرين عامًا حين غادر بلدته الصغيرة كفرنبل، يحمل حقيبته المليئة بالكتب والأمل، متجهًا إلى حماه ليخوض امتحانًا مصيريًا في كلية الطب. لكنه لم يكن يعلم أن طريقه هذا لن يوصله إلى الجامعة، بل إلى غياهب لا يرى فيها ضوء الشمس، حيث اختفى اسمه وصوته، ولم يبقَ منه سوى ذاكرة ممزقة في قلب والدته.

أثقل الزمن كاهل والديه، وكانت الأم أكثر من نالها العذاب. لسنوات طويلة كانت تنتظر عودته، قلبها متمسك بخيط من أمل يتآكل مع الأيام. دموعها كانت تنهمر حتى خسرَت نور عينيها، لتصبح عمياء لا ترى شيئًا سوى صورة ابنها المرسومة في خيالها. كانت تمشي بين جدران البيت، تلامسها وكأنها تبحث عن أثره، تفتح خزانته لتشم بقايا ملابسه، وتهمس باسمه كما لو كان ما زال يسمعها.

بعد ثلاثة عشر عامًا من الفقد، جاء الخبر: “عبد الوهاب خرج من سجن صيدنايا”.

ركضت الأم، قلبها ينبض بقوة وكأنه يريد أن يسبقها إليه. لكن ما رأته كان كابوسًا آخر؛ أمامها رجل غريب الوجه، شاحب، مُتعب، لا يشبه ذاك الشاب الذي غادرها بضحكة مليئة بالأمل. كان جسده هنا، لكن عبد الوهاب لم يكن.

فقد عبد الوهاب عقله وذاكرته، لم يتعرف على والدته، لم يتذكر اسمه ولا من يكون. عيناه كانتا فارغتين من الحياة، ونظراته هائمة كأنها تبحث عن روح هُدمت خلف قضبان السجن. سنوات طويلة من التعذيب والحرمان لم تترك له سوى جسد بلا هوية.

كانت الصدمة أقسى من كل سنوات الانتظار. الأم التي راهنت على عودته، وجدته لكنه كان شيئًا آخر، غريبًا عنها وعن نفسه. عاد لها الجسد، لكن روح ابنها لم تعد؛ دفنت هناك، في ظلام السجن حيث تُمحى الحياة ويُنسى الإنسان.

عبد الوهاب دعدوش، الشاب الذي حلم بمداواة الناس، تحوّل هو نفسه إلى جرح لا يلتئم، شاهداً على مأساة أكبر من الكلمات، وقصة تُختصر بها معاناة آلاف الأسر التي لا تزال تنتظر عودة أحبابها… ولو بأجساد فقط.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى: [email protected]

موقع هنا الموقع الرائد بموضعيته ومصداقيته يدعوك للانضمام إليه عن طريق الواتس أب عبر الرابط المرفق : انضموا الينا

0 تعليقات

انضم إلى المحادثة