عملية “البيجر”: الموساد يضلل “الحزب” منذ 10 أعوام

Post

عملية “البيجر”: الموساد يضلل “الحزب” منذ 10 أعوام

المصدر: cbs news

عملية “البيجر” التي استهدفت حزب الله هي نتاج أكثر من 10 أعوام استثمرها الموساد الإسرائيلي في التخطيط والتضليل قبل أن يضرب ضربته القاضية. فكيف خدع الموساد الحزب؟

تقرير بموقع “سي بي أس نيوز” الأميركي نقل عن ضابطين تقاعدا مؤخراً من الموساد، تفاصيل العملية التي غيرت مسار الحرب بين إسرائيل وحزب الله المدعوم من إيران، من الفكرة إلى التنفيذ.

الضابطان كانا ضمن الفريق الذي قاد العملية وأشارا إلى الأثر العميق لتفجير أجهزة الاتصال اللاسلكي وأجهزة النداء (الووكي توكي والبيجر) قبل ثلاثة أشهر، حيث “غرقت إمبراطورية وكلاء إيران بحالة من الخراب، مع هزيمة حزب الله في لبنان وإسقاط نظام الأسد في سوريا.”

وأكد الضابط مايكل (إسم مستعار)، الذي تحدث ضمن برنامج “60 دقيقة” دون أن يظهر وجهه: “نريدهم أن يشعروا بالضعف والوهن. وهذا ما هم عليه حقاً. ونحن نتحضر بالفعل للخطوة التالية، بما أننا استخدمنا أجهزة البيجر. وسيتعين عليهم الإمعان في تخمين ما قد نأتيهم به لاحقاً”.

10 سنوات من التضليل والخداع

تمحورت عملية “البيجر” حول التضليل والخداع، بما يتماشى مع شعار الموساد. وبدأ العمل على تفخيخ أجهزة الاتصال اللاسلكية قبل أكثر من عقد من الزمان قبل أن تفجرها إسرائيل في أيلول. يقول مايكل: “جهاز الاتصال اللاسلكي بالنسبة لنا كان سلاحًا، تمامًا كالرصاصة أو الصاروخ أو الهاون”، كاشفا أن بطارية الجهاز، المصنوعة في إسرائيل في منشأة تابعة للموساد، كانت تحتوي على جهاز متفجر. ووفقًا لمايكل، اشترى حزب الله أكثر من 16 ألف جهاز متفجر، واستخدم بعضها في النهاية ضده في 18 أيلول.

السعر وإبعاد الشبهات

وشرح مايكل كيف درس الموساد تفاصيل السعر لتجنب إثارة الشكوك لدى حزب الله: “لقد حصل الحزب على سعر جيد. لم يكن منخفضًا للغاية لأنّ إسرائيل لم ترد إثارة الشكوك. كما عمل الموساد على إخفاء هويته كبائع وعلى ضمان عدم إمكانية تعقب أجهزة الاتصال اللاسلكي إلى إسرائيل. فأنشأ لهذه الغاية شركات وهمية تسللت إلى سلسلة التوريد. “نحن نخلق عالمًا وهميًا، حسب ما أضاف مايكل. نحن شركة إنتاج عالمية: نكتب السيناريو، نخرجه وننتجه قبل أن نلعب الدور الرئيسي. والعالم هو مسرحنا”.

من “الووكي توكي” إلى “البيجر”

صُممت أجهزة الاتصال اللاسلكي “الووكي توكي” لتوضع في سترات تكتيكية مدرعة تستخدم في المعركة. لكن عين الموساد كانت على أجهزة يحملها جميع عناصر الحزب بشكل مضمون في جميع الأوقات. لذلك، بدأ في العام 2022، بتطوير أجهزة النداء (البيجر) المفخخة، وفقًا لعميل الموساد السابق الذي أطلق على نفسه إسم غابرييل.

وأكد غابرييل في حديث للبرنامج نفسه، أنّ الموساد كان يدرك أن حزب الله يشتري أجهزة البيجر من شركة “غولد أبولو” في تايوان. وتميزت تلك الأجهزة بأناقتها وبحجمها حيث يمكن وضعها داخل الجيوب. وأضاف غابرييل إن الموساد كان بحاجة لجهاز استدعاء أكبر لوضع المتفجرات بداخله.

احتساب نسبة المواد المتفجرة

وأجرى الموساد باستخدام الدمى، اختبارات بجهاز استدعاء وضع داخل قفاز مبطن. واحتسب من خلال وضع الجهاز بجانب دمية نسبة غرامات المتفجرات المسحوقة الكافية لإيذاء عنصر الحزب، دون الوصول للشخص المجاور له، كما شرح غابرييل. وذلك لأن الخطة كانت تقتضي إيذاء عناصر حزب الله فقط دون سواهم.

وأكد غابرييل: “خضع كل شيء للاختبار مرة واثنتين وثلاث للتأكد من إحداث أدنى قدر من الضرر”. وفقًا للموساد، لم تمتلك الأجهزة قدرات استخباراتية ولا يمكن استخدامها للتتبع. وهي لا تصلح إلا كقنابل مصغرة. “هذا جهاز غبي للغاية بطبيعته. ولهذا اختاره الموساد. لا توجد تقريبًا أي طريقة لاستغلاله”.

تخطيط الموساد لم يغفل أي تفصيل وصولاً لنغمة الرنين، بهدف التأكد من اختيار إشعار يغذي شعوراً طارئاً باخراج البيجر من الجيب. كما اختبر الموساد المدة التي يستغرقها الشخص للرد على جهاز النداء: والنتيجة، 7 ثوانٍ في المتوسط.

إقناع حزب الله بشراء البيجر

يستذكر غابرييل اليوم الذي أظهر فيه جهاز البيجر لدافيد برنياع، مدير الموساد. “يومها، استشاط غضباً، منتقداً صعوبة شراء أي كان لمثل هذا الجهاز الضخم. وغير المريح في الجيب نظرا لوزنه الثقيل”.

كيف أضعفت خسائر حزب الله قوة إيران ونفوذها

ومع ذلك، أمضى غابرييل الأسبوعين التاليين محاولاً إقناع برنياع بنجاح مزايا جهاز النداء.

ثم بدأ الترويج في وقت لاحق لهذه المزايا في إعلانات مزيفة على موقع “يوتيوب”، على أساس أنّ هذه الأجهزة قوية ومقاومة للغبار والماء، وبطارية تدوم طويلاً. كما تعمد الموساد نشر شهادات مزيفة عن الأجهزة عبر الإنترنت.

أضاف غابرييل: “سرعان ما أصبح هذا البيجر أفضل منتج في المجال في العالم. وأبدع الموساد في الترويج له لدرجة أنّ الناس تدافعت من خارج حزب الله لشرائه. وطبعاً لم نرسله لأي كان واكتفينا بالرد بطلب مبالغ باهظة”. وبالتوازي، أنشأ الموساد شركات وهمية، بما في ذلك واحدة في المجر، لخداع شركة “غولد أبولو” للتعامل معها. وقام الموساد بتصنيع أجهزة النداء بالكامل في ظل شراكة ترخيص مع “غولد أبولو”. كل ذلك، ليبدو كل شيء مشروعًا بالنسبة لحزب الله.

“لم يكن لديهم أدنى فكرة! كانوا يشترون منا، يكمل غابرييل، دون أن يعلموا أنهم يشترون من الموساد. نحن نقوم بما يشبه “عرض ترومان”.. لا يفوتنا أي تفصيل ونحن نحرك كل شيء في الكواليس. أما حزب الله فلم يشعر بأي خطب.. بل على العكس، الأمور كانت تسير بطبيعية بنسبة 100%”.

وليحبك الموساد مؤامرته، وظف الموساد البائعة التي كانت تتواصل بشكل اعتيادي مع “غولد أبولو” مع حزب الله. ولم تعلم البائعة نفسها أنها تعمل لدى الموساد. ووفقًا لغابرييل، عرضت السيدة على حزب الله الدفعة الأولى من أجهزة النداء كترقية، دون أي تكاليف إضافية. وبحلول أيلول 2024، كان الموساد قد وضع في جيوب عناصر حزب الله حوالي 5 آلاف “بيجر”.

والآن، بات السؤال المطروح على إسرائيل يتمحور حول توقيت تفعيل القنابل النائمة. وأشارت تلميحات إلى أنّ حزب الله ربما بدأ يشك في هذه الأجهزة، لذلك، أعطى رئيس الموساد برنياع الضوء الأخضر، مما أدى لتفجير مخطط 17 أيلول باستخدام أجهزة النداء. وفي الساعة 3:30 بعد الظهر تعالى طنين أجهزة النداء في مختلف أنحاء لبنان.

مع انطلاق الانفجارات، سادت حالة من الفوضى وامتلأت المستشفيات بالجرحى. وبُترت الأطراف والأصابع. وترك الناس ملطخين بالدماء ومصابين بالعمى وحتى بثقوب في بطونهم. وفي أغلب الأحوال، نجحت التفجيرات كما هو مخطط لها، ولم تصب سوى الأشخاص الذين يحملون أجهزة البيجر. وتُظهِر العديد من مقاطع الفيديو التي استعرضها برنامج “60 دقيقة” انفجارات تصيب أشخاصاً فرديين، دون أن تلحق أذى بمن بجوارهم.

و”بعد يوم من التفجير، حسب مايكل، ساد خوف حقيقي ولم يشغل الناس مكيفات الهواء في لبنان حتى خشية من انفجارها”. وبعد يوم واحد من هجوم أجهزة النداء، قام الموساد أخيرًا بتنشيط أجهزة الاتصال اللاسلكية التي كانت خاملة لمدة 10 سنوات. فانطلقت بعض الأجهزة في جنازات القتلى الذين قضوا بواسطة أجهزة النداء. في المحصلة، قُتل حوالي 30 شخصًا، بما في ذلك طفلان، في الهجومين. وأصيب حوالي 3 آلاف شخص.

هل نجحت خطة الموساد؟

لم تهدف الخطة للقتل وإنما لاستثمار المال والجهد في علاج الجرحى وأولئك الذين فقدوا أيديهم وعيونهم دليل حي، وفقاً لغابرييل. هذه رسالة من الموساد: “لا تعبثوا معنا!”

بعد يومين من هجوم “البيجر”، ألقى زعيم حزب الله حسن نصر الله خطاباً خافتاً وصفه فيه غابرييل بـ”المهزوم”. “لقد خسر الحرب بالفعل. ورآه جنوده وهو يلقي ذلك الخطاب. رأوا زعيماً محطماً. كانت تلك نقطة تحول في الحرب”.

في الأيام التي تلت العملية، قصفت القوات الجوية الإسرائيلية أهدافاً في جميع أنحاء لبنان، مما أسفر عن مقتل أكثر من ألف شخص، نسبة كبيرة منهم من المدنيين. وفي 27 أيلول، ألقت إسرائيل قنابل ضخمة على مكان تواجد نصر الله، مما أدى إلى اغتياله. ثم دخل وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله حيز التنفيذ في نهاية تشرين الثاني.

واستطرد غابرييل: “بعد تلك النقطة الحاسمة، بات حزب الله في موقف صعب للغاية، وفقد سلسلة القيادة، ومعنويات الجنود. الرياح ما عادت مؤاتية لأشرعة حزب الله ونأمل أن ينعكس ذلك على ملف الرهائن في غزة وعلى مقاتلي حماس الذين باتوا معزولين تمامًا”.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى: [email protected]

موقع هنا الموقع الرائد بموضعيته ومصداقيته يدعوك للانضمام إليه عن طريق الواتس أب عبر الرابط المرفق : انضموا الينا

0 تعليقات

انضم إلى المحادثة