تغيير المفاهيم يتطلب الحرب

Post

تغيير المفاهيم يتطلب الحرب

بقلم: مندي صفدي.

لقد انهار مفهوم الردع سواء على الجانب الفلسطيني أو على الجانب اللبناني (حزب الله) في 7 تشرين الأول/أكتوبر، الأمر الذي يتطلب صحوة سريعة من غيبوبة  الثلاثين سنة الماضية أحسنّا  ظننا بانه سيكون بعد اتفاق أوسلو عهد جديد يتمثل بالشرق الأوسط الجديد يعمّه السلام والاستقرار،  هذه الصحوة تتطلب تخطيطاً استراتيجياً يعتمد على رؤية واقعية للأحداث، وتجنيد حلفاء إقليميين ودوليين حيث يدركون ان الوقوف إلى جانبنا في تحالف مشترك سيكون ضرورياً لمصالحهم الأمنية، وإقناعهم أن الاحداثيات المستوضحة تثبت مدى حاجتهم إلى هذا التحالف حيث تتجاوز مصلحتنا به.
هناك العديد من ساحات الصراع في الشرق الأوسط التي يتوضح ان العامل ألم شترك فيها هو إيران، وبكل ساحة صراع هناك من يعاني من تلك الدولة وغالبيتهم بالدول المجاورة، الذين سيكونون مرشحين مهمين للانضمام عاجلا أم اجلاً إلى التحالف الذي يجب البدء بالتجهيزات اللازمة له، حتى من خلال تفاهمات غير مباشرة حيث انه من الواضح مدى صعوبة دخول دول عربية في تحالف معلن مع إسرائيل في ظل حرب غزة.

في العقود الأخيرة، تمارس إيران حرباً ذكية على ساحة الشرق الأوسط، حيث تتجنب التدخل في أي منها بشكل مباشر، لكن جميعها تدار من الخنادق في طهران وبتوجيه مباشر من الحرس الثوري الإيراني، ما يسمى "نظرية الأخطبوط" فكل ذراع تعمل بشكل مستقل في ساحة مختلفة، ولكنها مرتبطة بشكل مباشر بالراس المدبر في الحرس الثوري الإيراني ، والحرب التي يتعين على الدول الحليفة أن تخوضها هي ضد أذرع الأخطبوط، كل في منطقتها الخاصة، في حين أن التعاون الاستخباراتي والعسكري ضروري لنجاح عملية تدمير الأخطبوط الإرهابي الإيراني.

إن الحرب في غزة وانعكاسات أذرع الأخطبوط الأخرى تمكن، بل وتتطلب، إنشاء مثل هذا التحالف، في حين أن إسرائيل لا تستطيع بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر العودة إلى مفهوم الردع حتى في الساحة الشمالية، مما يتطلب هجوماً مكثفاً على جميع مواقع حزب الله الأساسيين. المنشآت العسكرية والمنصات الصاروخية، في ضربة استباقية بشكل يعيق قدرة حزب الله باستخدام ترسانة الصواريخ، التي تهدد الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية، مع العلم أن إسرائيل تمتلك معلومات استخباراتية دقيقة عن موقع مستودعات الصواريخ ومنشآت الإطلاق الاستراتيجية، لذلك استباق المفاجأة بمفاجأة سيكون من شأنه أن يصعق حزب الله بارتباك يشل قدرته بتحقيق هدف استراتيجي مؤالم بالعمق الاسرائيلي ويتيح بيئة  عمليات أكثر أمانًا لقواتنا.

ما يمكن أن يكون ميزة لإسرائيل في لبنان هو أن معارضي حزب الله في لبنان سيحصلون على حوافز للانضمام إلى النضال، ويهاجمون بالتزامن مع ابتداء الضربة العسكرية لمحاصرة قوات حزب الله داخل مدنهم وقراهم، حيث كانت هناك سوابق بقيام السكان بسد الطريق أمام عناصر حزب الله ومنعهم من إطلاق صواريخ من أراضي قراهم، مثل هذه الصراعات الصغيرة في ساحات مختلفة قد تؤدي إلى شلل بإطلاق الصواريخ جزئياً على الأقل، بالإضافة إلى أن هناك قطاعات كبيرة ستكون جاهزة للدخول في مواجهة مباشرة مع حزب الله، بعضهم تحت عنوان الحفاظ على البيئة الطائفية مثل المسيحيين والدروز والسنة الذين سيكونون سعداء بتدمير حزب الله في لبنان.

ذراع أخطبوط آخر أقل تهديدا، لكن تدميره بصغره مهم ليمنع نموه إلى حد تهديد حدود إسرائيل، قادما من الجانب السوري، حيث أن هناك مجموعات إرهابية تشكل بالإضافة إلى القتال تهديدا في المنطقة بمجال إنتاج وتوزيع المخدرات، فبالإضافة لإسرائيل يشكل خطراً لكل من الأردن ومعارضي النظام في سوريا، وهنا ستكون إسرائيل أقل انخراطاً في الجبهة القتالية، رغم أن لديها القدرة على المساعدة لهذه الجبهة. بالمجال الاستخباراتي واللوجستي لمعارضي النظام في سوريا، الذين سيعملون ضد الاذرع الإيرانية وخلايا داعش الإرهابية، ومن جهة أخرى، الأردن التي تعاني من تهريب المخدرات إلى أراضيه، وهو ركيزة أساسية في إدارة الحملة ضد صناعة المخدرات والتهريب التي توفر مصدر دخل مهم لتمويل الإرهاب الإيراني في مختلف ساحاته.

أما الذراع الثاني الأكثر أهمية بعد حزب الله، والذي يحظى ردع تهديده بإجماع دولي، فهو الحوثيون اليمنيون، الذين لا يمكن التغاضي عن أضرارهم الاقتصادية والتهديد الذي يشكلونه على التجارة البحرية ، وهو ما يتطلب عملاً مشتركاً من قبل جميع الدول المتضررة من جراء ذلك. بالإضافة إلى المعارضين للحوثيين في اليمن إلى جانب السعودية والإمارات الذين يعانون من إرهاب الحوثيين منذ سنوات، وهنا سيكون التدخل الإسرائيلي أقل أو في الظل من خلف الكواليس، على الرغم من التهديد الصاروخي والطائرات المسيرة الموجه من الحوثيين واستخدام الحرب في غزة كذريعة للإرهاب البحري، ولكن بصرف النظر عن الجهد الاستخباراتي، فإن إسرائيل ليست في حاجة إلى التدخل المباشر ويكفي لحلفائها إكمال المهمة، وخاصة للبنية التحتية التنظيمية بأكملها. ليتم تدميرها وسحق قيادة هذه الجماعة الإرهابية.

وينبغي أن يكون المنتج النهائي في هذه العملية شلا كاملا لجميع أذرع الأخطبوط الإيراني، والنخر الذي سينتج عن هذا الشلل سيدمر الرأس أيضا بمساعدة إيرانية داخلية بانتفاضة الأحواز والشعوب غير الفارسية في إيران، بالإضافة إلى المعارضة الفارسية بقيادة رضا بهلوي، نجل الشاه الإيراني، ومع بعض المساعدة الدولية سيكون من الممكن إسقاط النظام الإيراني وليتذوق قليلاً من المعاناة التي سببها للدول التي استولى عليها.

إن تغيير المفاهيم يجب أن يكون شاملاً في جميع البلدان التي تحارب الإرهاب، والأطروحتان اللتان قدمتهما منذ سنوات يجب أن تكونا محوريتين في الحرب على الإرهاب، وهي أنه من المستحيل محاربة الإرهاب بأدوات ديمقراطية فمن الضروري إنشاء آلية مخصصة لتطبيق القانون والعقاب ضد الارهاب مختلفة عن الآلية الجنائية العادية المستخدمة اليوم.

الأطروحة الثانية هي أنه من أجل محاربة الإرهاب، عليك محاربة الفكر الارهابي وليس فقط الأشخاص (الارهابيين) الذين يتعاطون الارهاب ، وكما ذكرنا، هناك العديد من المنظمات في العالم التي تعمل على بلورة إرهابيين المنتمين إلى أكثر المنظمات وحشية التي رأيناها، مثل جماعة الإخوان المسلمين على أذرعها وتشعباتها، والتي تعمل في معظم الدول الغربية تحت غطاء منظمة خيرية أو تعليمية، وتبشر بأفكار متطرفة والتي لا يمكن ان نرى بنظرة خاطفة الخطر الكامن في المنتج النهائي، وهكذا معظم الإرهابيين الذين جاءوا إلى سوريا وقاتلوا في صفوف داعش كانوا من فرنسا وهولندا وإنجلترا وبلجيكا بالإضافة إلى دول أخرى، وهذا الإخفاق حدث لأن الأدوات الديمقراطية لا تسمح بمحاربة الإرهاب الذي هو في الواقع الفكر المتطرف الذي ينمو ويتغذى منه الإرهابيين، و المحاكم لا تعاقب إذا لم يكن هناك دليل شرعي على ارتكاب جريمة، أي قبل أن يرتكب الإرهابي هجوماً إرهابياً، لا يمكن معاقبته ومنعه من القيام بذلك، وهذا ما يجعل الدول الديمقراطية الغربية ارض خصبة لنمو الإرهابيين، وقواعد لنمو المنظمات والعناصر الجهادية القادرة على إنتاج جيش كامل يصل إلى أي جبهة يتم ارسالهم إليها.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى: [email protected]

موقع هنا الموقع الرائد بموضعيته ومصداقيته يدعوك للانضمام إليه عن طريق الواتس أب عبر الرابط المرفق : انضموا الينا

0 تعليقات

انضم إلى المحادثة