كيف ساهم الدّروز في منع تهجير بعض القرى في الجليل؟

Post

كيف ساهم الدّروز في منع تهجير بعض القرى في الجليل؟

كيف ساهم وجهاء الطائفة الدرزية في البلاد بمنع تهجير قرًى كاملة في الجليل من خلال اتفاقيات سريّة اُبرِمت بين الأعوام 1939-1948؟

المصدر : المكتبة الوطنية الإسرائيلية

الصورة : موشيه ديان في جنازة ضابط درزي في دالية الكرمل، 1969، أرشيف دان هداني.

عند قراءة تاريخ منطقة الجليل، يصطدم القارئ بقصص كثيرة الّتي تثير الأسئلة حول بقاء العديد من القرى وعدم تهجيرها بعد حرب عام 1948. إن تدّخل وجهاء الطائفة الدرزية للوساطة أمام قوات الجيش الإسرائيلي ساهمت بشكلٍ كبير في الحفاظ على قرى الجليل من التهجير.

اختلف واقع القرى في الجليل خلال ذلك الوقت عن واقع مدن الساحل يافا وحيفا وما حولهما من مدنٍ مركزية كاللد والرملة والقدس، فقد افتقر الناس إلى أبسط المقوّمات العسكرية للدفاع عن أنفسهم من أجل البقاء في أراضيهم واعتمدوا اعتمادًا تامًا على جيش الإنقاذ العربي، لذلك عند وصول الجيش الإسرائيلي إلى أيٍ من هذه القرى، اُستخدم مصطلح “سقوط القرية” لأنها كانت تُحتل وتُهجّر دون مقاومة حقيقيّة.

خلال هذا المقال نستعرض كيف تمكّن وجهاء الطائفة الدرزية من خلال اتفاقهم مع الحكومة والجيش الإسرائيليين من ضمان بقاء قُراهم دون تهجير، وكيف استغلوا هذه العلاقات لبقاء بعض القرى والمدن العربية في الجليل دون تهجير أو مجازر كبرى كالّتي حدثت في مناطق أخرى في البلاد.

الاتفاق بين الدروز والحركة الصهوينية

بحسب المصادر التاريخية المختلفة، فإنّ التواصل بين الحركة الصهوينية وبعض وجهاء الطائفة الدرزية بدأ قبل قيام دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية بسنوات، وذلك بحكم الجيرة وامتلاك أراضٍ زراعية متجاورة في منطقة حيفا، حيث نشأت علاقة بين عائلة أبو ركن وبعض المزارعين اليهود في كيبوتس الياجور، ممّا مهّد الطريق لتعاون بين بعض أفراد العائلة والمستوطنين اليهود.

استغلّت ابتداءً من سنوات العشرين من القرن الماضي الخلافات الّتي كانت تنشب في بعض الأحيان بين الطوائف المختلفة مع الدروز، فكانوا يتدخلون لصالح الدروز وحمايتهم من أجل جذبهم لناحيتهم في الحرب المتوقعة. نجحت الحركة في ضم جزء من وجهاء الطائفة الدرزية من خلال مدّهم بالدعم المادي والعسكري والمعنوي ضد المسلمين والمسيحيين.

إحدى الحوادث المشهورة الّتي أدّت إلى تعميق النزاع بين المسلمين والدروز كانت حادثة إصابة عشر دروز في نزاع دار في مدينة شفاعمرو، خلفيّته أن المسؤول عن أراضي شفاعمرو صالح أفندي محمد الشبل من المكر قُتل في شفاعمرو واتهم الدروز بقتله. فدخلت الحركة الصهيونية النزاع لمساعدة الدروز، لكنها لم تحصل على تعاون حقيقي من قبل الطائفة حتى قدوم عام 1939 عندما قُتل الشيخ حسن خنيفس على يد الثّوار عن طريق الخطأ.

ويذكر المؤرخ قيس ماضي فرّو في كتابه “دروز في زمن الغفلة” بإن لقاءً جرى بين ضباط الجيش الإسرائيلي وزعماء من الدروز في مدينة شفاعمرو قبيل احتلالها، وتم الاتفاق على تسليم المدينة معهم، من خلال القيام بمعركة وهمية في حارة الدروز، وبالمقابل قصف حارة المسلمين. هذه الخطة ساهمت بشكلٍ كبير في تسليم المدينة وسقوطها، وتذكر الأدبيات الإسرائيلية ذلك، بأنه لولا مساعدة الدروز لما سقطت شفاعمرو بهذه السهولة.

عملت الحكومة الإسرائيلية منذ تأسيس الدولة على دب الخلاف بين الدروز وبقية الطوائف في البلاد، كما استغلت وصولها لبعض الزعماء والوجهاء الدروز لتقوية العلاقة مع الطائفة، يغرونهم تارةً بالمال وتارةً بالحماية من التنكيل والقتل والتهجير كغيرهم من جيرانهم المسلمين والمسيحيين. لم يتوقف الأمر على الدروز في البلاد، فقد استقطبت الاستخبارات الإسرائيلية بعض الوجهاء الدروز من سورية، واستقروا في البلاد بعد قيام الدولة.

وكان لتأسيس فرقة “وحدة الأقليات” في الجيش الإسرائيلي خط اللاعودة بالنسبة للدروز، فقد كانت الدليل على العلاقات المتينة الّتي جمعت بعض وجهاء الطائفة خلال الحرب، الدروز الّذين كانوا من أوائل من حمل البندقية في وجه الاستعمار البريطاني في فلسطين وبدايات الاستيطان اليهودي في فلسطين الانتدابية أيضًا، لكنهم اختاروا لاحقًا الوقوف في صف المنتصر في الحرب من أجل المحافظة على بقاءهم في بلادهم.

التدخل لحماية بعض القرى المسلمة والمسيحية

خلال أيام الحرب في شهر تموز 1948، اجتاحت قوات الجيش الإسرائيلي منطقة الجليل لتنفيذ الخطة بإفراغ القرى من أهلها، لكن في ذات الشهر وعند دخول الجيش إلى مدينة شفاعمرو في أيام المعارك العشرة في الجليل، ساهم الدروز في تسليم المدينة دون أن يقتلع سكّانها منها وجرى الشيء ذاته في وقراها المجاورة. فقد نفّذ الدروز الاتفاق السّري الّذي عُقد سابقًا بين ضباط الجيش الإسرائيلي وبعض القيادات الدرزية بعد معركة الهوشة والكساير، وبناءً على هذا الاتفاق الّذي نصّ على انسحاب الدروز من القتال ضد اليهود، عاد محاربو فوج العرب في معظمهم إلى بيوتهم في سوريا ولبنان، بينما انضم العشرات منهم إلى الجانب الإسرائيلي في الحرب.

وفي قرية يركا، كان هناك دور كبير لعائلة معدي الدرزية في مساعدة أهالي القرى المجاورة على عقد اتفاقيات تسليم واستسلام، وكانت كفر ياسيف واحدة من تلك القرى الّتي تم تسليمها بعد تدخل وجهاء العائلة اليركاوية، إذ بينما هُجِّرت معظم قرى ساحل عكا بعد احتلالها في أيار، فإنّ القرى الدرزية القريبة وبعض القرى المختلطة حولها ظلّت على حالها.

وقد استغل يني يني رئيس مجلس كفر ياسيف علاقات جيرانه الدروز في يركا باليهود لإنقاذ أهالي قريته من الاقتلاع والتهجير، ووقّع اتفاقًا معهم عن طريق حاييم أورباخ من نهاريا المجاورة في 10 تموز.

وفي مجد الكروم، يذكر أنه في يوم الجمعة الموافق 29 تشرين الأول 1948، انسحبت قوات جيش الإنقاذ من القرية، ونصحت الأهالي بمحاولة التوصل إلى اتفاق مع الجيش الإسرائيلي يقتضي بتسليم القرية دون خوض معارك حفاظًا على حياتهم وبيوتهم، وفي الليلة نفسها الّتي انسحبت فيها الفرقة من مجد الكروم، توجه وجهاء من القرية إلى عائلة معدي في قرية يركا المجاورة، طالبين منهم مساعدتهم في إبرام اتفاق مع قيادات الجيش لضمان سلامة القرية وأهلها.

ومن هناك تم الاتصال بحاييم أورباخ ضابط الاستخبارات في الجليل الغربي، ورتبوا للقاء معه في قرية البروة، وخلال هذا الاجتماع تم التوصل إلى اتفاق لتسليم قرية مجد الكروم وبعض القرى المجاورة في الشاغور. وفي اليوم التالي، دخلت الفرقة رقم 123 من الجيش الإسرائيلي إلى القرية واستلَمت السلاح الموجود مع الأهالي ضمن الخطة المتفق عليها مع الوجهاء الدروز.

على الرغم من الاتفاق مع الجيش الإسرائيلي للحفاظ على سلامة الناس في قرى الشاغور، إلا أن إحدى الفرق العسكرية أعدمت شابين من كل قرية (مجد الكروم، البعنة، دير الأسد، نحف) على مرأى من السكان، وطلبت من البقية المغادرة إلى لبنان لئلا يكون مصيرهم مثل الّذي اُعدموا.

وفي قرية الرامة، قام الجيش الإسرائيلي بترحيل المسيحيين فقط من القرية، حيث ذكر في بعض المصادر التاريخية بأن الضابط قال بإن الدروز هم وحدهم لن يهجّروا لأنهم أصدقائهم، وأمر المسيحيين بالتحرك إلى لبنان. عند وصول المهجرين إلى قرية بيت جن الدرزية، توجهوا إلى وجهاء القرية وطلبوا مساعدتهم للبقاء في البلاد. قُبل طلب الوجهاء وعاد جميع المسيحيين إلى الرامة والناصرة، كما أخبروا أقاربهم الّذين هجّروا سابقًا إلى لبنان وعاد معظمهم.

إنّ محاولات طرد السكّان في الشاغور باءت بمعظمها بالفشل، ولم يهجّر من القرى المذكورة إلا القليل، وذلك لعدة أسباب مجتمعة، ربما يكون أبرزها التنوّع الديني للسكّان في المنطقة، وخوف الجيش الإسرائيلي من الاعتداء على من أطلقوا عليهم اسم “الأصدقاء”، فيؤثر ذلك على عملية احتلال الجليل وتطويعه.

المصادر:

نكبة وبقاء: حكاية فلسطينيين ظلّوا في حيفا والجليل. عادل مناع، مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

دروز في زمن الغفلة: من المحراث الفلسطيني إلى البندقية الإسرائيلية. قيس ماضي فرّو، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2019

العرب الدروز في إسرائيل: مقاربات وقراءات نظرية وسياسية ناقدة. مدى الكرمل، 2018

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى: [email protected]

موقع هنا الموقع الرائد بموضعيته ومصداقيته يدعوك للانضمام إليه عن طريق الواتس أب عبر الرابط المرفق : انضموا الينا

1 تعليقات

مزارع, 5 اشهر

كذب

انضم إلى المحادثة